شهدت حلبة زاندفورت فصلاً جديدًا ومثيرًا في بطولة العالم للفورمولا 1 لعام 2025، حيث تمكن الأسترالي أوسكار بياستري من تحقيق فوز ساحق، معززًا صدارته للترتيب العام، في يوم تحولت فيه أحلام زميله في فريق مكلارين، لاندو نوريس، إلى كابوس حقيقي بعد عطل مفاجئ في محركه قبل لفات قليلة من النهاية.
دراما في الكثبان الرملية وخيبة أمل لنوريس
كان المشهد معبرًا؛ لاندو نوريس يجلس محبطًا وسط الكثبان الرملية في حلبة زاندفورت، يخلع واقيات الركبة عن ساقيه، وعيناه تتابعان زميله أوسكار بياستري وهو يعبر خط النهاية ليفوز بسباق جائزة هولندا الكبرى 2025. لا شك أن نوريس هو أكبر الخاسرين في هذه الجولة، وقد عاش ليلة صعبة بعد أن تبخرت آماله في تقليص الفارق.
ففي اللفة 65 من أصل 72، توقف محرك سيارته المكلارين فجأة عن العمل. على الفور، أدرك المحلل رالف شوماخر في تعليقه المباشر على قناة “سكاي” حجم المأساة قائلًا: “سيكون الأمر مأساويًا إذا حسم هذا العطل لقب البطولة. مأساة حقيقية”. وبسبب هذا الانسحاب، قفز الفارق في الصدارة بين بياستري ونوريس من تسع نقاط إلى 34 نقطة كاملة.
هل حُسمت المعركة على اللقب؟
على الرغم من أن الفارق يبدو كبيرًا، إلا أن تاريخ الفورمولا 1 مليء بقصص العودة المذهلة. ففي عام 2012، تمكن سيباستيان فيتيل من تعويض فارق بلغ 44 نقطة خلف فرناندو ألونسو ليتوج باللقب في النهاية. والأكثر إثارة للإعجاب، عودة كيمي رايكونن عام 2007 الذي نجح في تعويض فارق 26 نقطة عن لويس هاميلتون في آخر سباقين فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن الفوز كان يمنح 10 نقاط فقط حينها، مما يجعل إنجازه معادلًا لتعويض 65 نقطة في النظام الحالي.
مع تبقي 12 سباقًا على نهاية الموسم (من بينها ثلاثة سباقات سبرينت)، لا يزال هناك 249 نقطة متاحة. نظريًا، إذا فاز نوريس بجميع السباقات المتبقية وحل بياستري ثانيًا في كل مرة، فسيتمكن من تعويض الفارق وزيادة 66 نقطة لصالحه. كما أثبت نوريس قدرته على جمع نقاط كبيرة، ففي سباقي ملبورن وموناكو فقط هذا الموسم، حصد نقاطًا أكثر من بياستري بفارق 33 نقطة.
مكلارين بين الموثوقية ونضج السائق
صرح أندريا ستيلا، مدير فريق مكلارين، قبل السباق بأن الفريق سيبذل قصارى جهده لضمان الموثوقية، ليترك السائقين يحددان مصيرهما على الحلبة. لكن ما حدث في زاندفورت كان فشلًا واضحًا من الفريق، أو ربما من شريكهم مرسيدس الذي يزودهم بوحدات الطاقة. الحقيقة هي أن جميع الفرق التي تستخدم محركات مرسيدس واجهت مشاكل فنية في 2025، باستثناء مكلارين حتى هذا السباق. السبب المباشر لانسحاب نوريس كان فقدان ضغط الزيت.
عندما أبلغ نوريس فريقه عبر الراديو بأنه يشم “رائحة غريبة” ويرى دخانًا خفيفًا في قمرة القيادة، أدرك المهندسون أن الكارثة وشيكة. ورغم محاولته إكمال السباق، طلب منه مهندسه التوقف. اللافت كان رد فعل نوريس الهادئ والمدهش، حيث قال لمهندسه “لا، لا. لقد انتهى الأمر”، ثم أضاف: “حظ سيء يا شباب”. هذا الموقف أظهر نضجًا كبيرًا، وهو ما أشاد به ستيلا لاحقًا، واصفًا عقلية سائقه بـ”البنّاءة” حتى في أصعب اللحظات، على عكس رد فعل لويس هاميلتون الغاضب عندما انفجر محركه في ماليزيا عام 2016، والذي أثر على علاقته بالفريق لأسابيع.
أصداء الصحافة العالمية: احتفاء ببياستري وكارثة فيراري
كان فوز بياستري وتوسيع الفارق هو الحدث الأبرز الذي تناولته الصحف العالمية، مع إشادات خاصة بالصاعد الفرنسي إيزاك حجار الذي حقق أول منصة تتويج في مسيرته.
-
الصحافة الهولندية: وصفت صحيفة “دي تليغراف” ما حدث بأنه “خطوة جبارة لبياستري نحو لقب البطولة”، بينما ركزت “ألجمين داجبلاد” على “الدراما الكبيرة في الكثبان الرملية” التي عاشها نوريس.
-
الصحافة الفرنسية: احتفت بإنجاز إيزاك حجار التاريخي، حيث وصفته “لو باريزيان” بأنه “أصغر فرنسي يصعد لمنصة التتويج في تاريخ الفورمولا 1″، وهو ما أيدته صحيفة “ليكيب”.
-
الصحافة البريطانية: عبرت عن خيبة الأمل. صحيفة “ذا صن” تحدثت عن حظ لويس هاميلتون العاثر بعد حادثه، بينما قالت “ديلي ميل” إن آمال نوريس في اللقب “تبددت بشكل كبير” بعد تصاعد ألسنة اللهب من محركه.
-
الصحافة الإيطالية: كانت لهجتها أكثر قسوة، حيث وصفت “لا جازيتا ديلو سبورت” ما حدث لفريق فيراري بـ”الكارثة”، بعد انسحاب كل من هاميلتون ولوكلير، وهو ما اعتبرته صحيفة “توتوسبورت” “كابوسًا هولنديًا” للفريق الإيطالي قبل أسبوع واحد من سباقهم على أرضهم في مونزا.
-
الصحافة الإسبانية: لخصت صحيفة “سبورت” المشهد بأن “بياستري كان الفائز الأكبر في زاندفورت”، وأن انسحاب نوريس “دمر فرصه في المنافسة على اللقب”.
في النهاية، ربما تحتاج بطولة هذا العام، التي سيطرت عليها علاقة متناغمة بين سائقي مكلارين، إلى مثل هذه الدراما لإشعال المنافسة. قد تكون قصة عودة نوريس من بعيد، بعد أن استبعده الجميع، هي الشرارة التي ستجعل نهاية الموسم لا تُنسى.