أعلن رئيس الوزراء الماليزي، أنور إبراهيم، عن خطوة جديدة لترسيخ أقدام “إنتل” في بلاده، حيث قررت الشركة ضخ استثمارات إضافية بقيمة 860 مليون رينجيت ماليزي، أي ما يعادل حوالي 208 ملايين دولار. وجاء هذا الإعلان عقب مناقشات جمعت بين رئيس الوزراء الماليزي وليب-بو تان من إدارة إنتل، حيث تم التأكيد على أن هذه التمويلات الجديدة ستوجه لدعم عمليات التجميع والاختبار، مما يجعل ماليزيا ركيزة أساسية لا غنى عنها في شبكة التصنيع العالمية للشركة.
تتمتع الشركة بتاريخ طويل من العمل في ماليزيا، ولا تعد هذه الخطوة معزولة عن سياقها، فقد سبق وأن كشفت الشركة في عام 2021 عن خطط طموحة لإنشاء مصنع متطور لتغليف الرقائق باستثمارات بلغت 7 مليارات دولار. ويؤكد هذا الالتزام المتجدد أن الطلب على السعة الإقليمية لا يزال مرتفعاً، في وقت يبحث فيه صناع الرقائق حول العالم عن مصادر توريد جديدة وموثوقة، خاصة مع تحول ماليزيا إلى مركز رئيسي لتطوير العمليات النهائية لأشباه الموصلات.
تحديات الصناعة واستراتيجيات المستقبل
يأتي هذا التوسع الاستثماري في توقيت دقيق تمر به صناعة أشباه الموصلات، حيث تواجه ضغوطاً لتلبية الاحتياجات التكنولوجية المتغيرة والمنافسة الشرسة في مجال التغليف المتقدم. وتتجه أنظار المستثمرين حالياً نحو الكيفية التي ستدير بها “إنتل” نفقاتها الإضافية في توسعاتها العالمية، وما قد يطرا من تعديلات على استراتيجية الإنتاج خلال الأرباع السنوية المقبلة.
مؤشرات على تحالف محتمل مع “أبل”
بعيداً عن جبهة التصنيع المباشر، يبدو أن قطاع “المسبك” (Foundry) لدى إنتل يقف على أعتاب إنجاز كبير. فقد أشار المحلل التقني البارز مينغ تشي كو، في تدوينة حديثة، إلى تحسن ملحوظ في رؤية إنتل كمورد للعقد المتقدمة، متوقعاً أن تصبح الشركة المورد الحصري لرقائق سلسلة “M” ذات الفئة الاقتصادية من “أبل”.
ووفقاً لتحليلات كو، فإن تجربة “أبل” الأولية مع مجموعة تصميم العمليات (PDK) الخاصة بمعالجة “Intel 18A-P” – وهي نسخة محسنة من عملية 18A – قد جاءت مطابقة للتوقعات. وتنتظر الشركة المصنعة للآيفون حالياً الإصدار 1.0 المتوقع صدوره في الربع الأول من عام 2026، وهو النظام الذي سيمكن العملاء من تصميم ومحاكاة الرقائق وفقاً لعمليات تصنيع محددة بدقة.
الجدول الزمني والعوائد المتوقعة
تشير التوقعات إلى أن “أبل” تخطط لاستخدام تقنية “Intel 18A-P” لتصنيع معالجاتها التي تشغل أجهزة “ماك بوك إير” و”آيباد برو”، مع ترجيحات ببدء الشحنات بحلول الربع الثاني من عام 2027. ويُنتظر أن يتراوح حجم الإنتاج السنوي الأولي بين 15 و20 مليون شريحة.
إذا ما كتب لهذا الاتفاق النجاح، فإن التأثير المالي الأولي على إيرادات إنتل سيكون ملموساً للغاية؛ ففي حين تدفع “أبل” حالياً لشركة “TSMC” حوالي 45 دولاراً لكل شريحة A18، ومع التوقعات بارتفاع تكاليف الأجيال القادمة، قد تدر هذه الصفقة المحتملة ما يقارب المليار دولار سنوياً لشركة إنتل، اعتماداً على حجم الطلب والتسعير النهائي.
استعادة الثقة المفقودة
تتجاوز أهمية هذه الصفقة الجانب المادي لتصل إلى ما هو أهم: “شهادة الثقة”. فالفوز بعميل بحجم “أبل”، التي تعد أكبر مشترٍ لأشباه الموصلات في العالم، سيمثل دفعة معنوية هائلة لقطاع المسابك في إنتل الذي يواجه عقبات فنية وتحديات في تحقيق هوامش ربح مقبولة.
الجدير بالذكر أن إنتل خاضت محاولة سابقة لبناء قطاع للمسابك قبل أكثر من عقد، لكنها تخلت عن الفكرة في النهاية. وتشير التقارير إلى أن “أبل” فكرت في إنتل كمصنع لرقائق الآيفون عام 2011، لكنها اختارت حينها “TSMC”. ولعلنا نتذكر تصريح موريس تشانغ، مؤسس “TSMC”، الذي نقل عن تيم كوك قوله في ذلك الوقت إن “إنتل ببساطة لا تعرف كيف تعمل كمسبك”. اليوم، ومع هذه التطورات، قد تكون إنتل في طريقها لإثبات عكس تلك المقولة تماماً.








