حمى الذهب تجتاح الأسواق العالمية والمحلية وسط توقعات متضاربة

يشهد سوق الذهب العالمي موجة صعود تاريخية، حيث حطمت الأسعار الأرقام القياسية مدفوعة بزيادة الطلب على الملاذات الآمنة من قبل المستثمرين. وفي مصر، كما هو الحال في الأسواق المحلية الأخرى مثل كوريا الجنوبية، انعكست هذه الظاهرة في إقبال غير مسبوق على شراء السبائك والادخار في حسابات الذهب. وبينما يرى محللون أن هذا الارتفاع يغذيه مزيج من التوقعات بخفض أسعار الفائدة والمخاطر الجيوسياسية، يحذر آخرون من احتمالية وصول السوق إلى مرحلة “فرط النشاط” التي قد تعقبها تقلبات حادة.

أرقام قياسية في الأسواق العالمية والمحلية

في تعاملات بورصة نيويورك للسلع (COMEX) يوم 23 أكتوبر، سجلت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر سعرًا تاريخيًا عند 3795.90 دولارًا للأونصة، محققة ارتفاعًا بنسبة 42.22% منذ بداية العام. ولم تكن الأسواق المحلية ببعيدة عن هذا الزخم، ففي بورصة كوريا (KRX)، بلغ سعر جرام الذهب الخالص (عيار 99.99%) 177,990 وون كوري في صباح يوم 25 سبتمبر.

إلا أن هذا الصعود القوي لم يخلُ من بعض التراجعات الطفيفة، حيث شهدت أسعار الذهب انخفاضًا مؤخرًا في بورصة نيويورك بنسبة 1.24% لتصل إلى 3768.10 دولارًا للأونصة، وهو ما عزاه الخبراء إلى حالة من “إرهاق السوق” بعد الارتفاعات المتتالية، بالإضافة إلى قوة الدولار الأمريكي.

محركات الصعود: سياسات نقدية وتوترات دولية

يقف خلف هذا الارتفاع الصاروخي عاملان رئيسيان. الأول هو التوقعات السائدة بأن يتجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) نحو سياسة نقدية أكثر تساهلاً، مما يضغط على أسعار الفائدة الحقيقية ويجعل الذهب، الذي لا يدر عائدًا، أكثر جاذبية. أما العامل الثاني، فهو تفاقم المخاطر الجيوسياسية، خاصة استمرار الحرب في أوكرانيا وحالة عدم اليقين في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يدفع البنوك المركزية والمستثمرين الأفراد على حد سواء إلى تعزيز حيازاتهم من المعدن الأصفر كملاذ آمن.

ومع ذلك، أثارت تصريحات جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، الأخيرة بعض القلق في الأسواق، حيث حذر من احتمالية عودة التضخم للارتفاع، مما يشير إلى أن خفض أسعار الفائدة قد لا يكون بالسرعة التي يتوقعها البعض، وهو ما قد يؤدي إلى تصحيح سعري على المدى القصير.

إقبال غير مسبوق في السوق الكوري

في دلالة واضحة على حجم الإقبال، تجاوزت أرصدة حسابات الذهب في ثلاثة من أكبر البنوك الكورية (KB Kookmin, Shinhan, Woori) حاجز 1.2 تريليون وون لأول مرة، مسجلة 1.2367 تريليون وون. وشهدت هذه الحسابات تدفقات جديدة بلغت حوالي 454.5 مليار وون منذ بداية العام، بزيادة هائلة قدرها 85% مقارنة بأغسطس من العام الماضي.

كما ارتفعت مبيعات سبائك الذهب بشكل ملحوظ لدى أكبر خمسة بنوك في البلاد، حيث بلغت قيمة المبيعات المتراكمة هذا العام حوالي 362.8 مليار وون، وهو ما يتجاوز ضعف إجمالي مبيعات العام الماضي بأكمله.

استثمار بديل: أسهم شركات تعدين الذهب تتألق

في خضم هذا الصعود، برزت فرصة استثمارية تفوقت في أدائها على الذهب نفسه، وهي أسهم شركات تعدين الذهب. ففي حين ارتفع سعر الذهب بنسبة تجاوزت 40%، سجلت أسهم شركات كبرى مثل “AngloGold Ashanti” قفزة مذهلة بنسبة 200.78%، وتبعتها شركات أخرى مثل “Newmont” و”Barrick Mining” بارتفاعات تجاوزت 120%.

ويكمن السبب في أن تكاليف التشغيل لشركات التعدين ثابتة إلى حد كبير، وبالتالي فإن أي زيادة في سعر بيع الذهب تنعكس بشكل مضاعف على هوامش أرباحها. وقد انعكس هذا الأداء القوي أيضًا على صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) التي تستثمر في هذا القطاع، حيث حققت مكاسب تجاوزت 100%.

توقعات متباينة وتحذيرات من المخاطرة

ينقسم الخبراء حول مستقبل أسعار الذهب. فمن ناحية، يرى محللون مثل كيم يو مين من “Hanwha Investment & Securities” أن السوق دخل منطقة “مبالغ فيها”، مشيرًا إلى أن سعر الذهب ارتفع بنسبة 77% بينما لم ينمُ المعروض النقدي (M2) إلا بنسبة 7% منذ نهاية 2023، مما يرجح تباطؤ وتيرة المكاسب.

وعلى الجانب الآخر، يتوقع محللون آخرون استمرار موجة الصعود. فيشير تشوي يي تشان من “Sangsangin Investment & Securities” إلى أن دورات الصعود التاريخية للذهب استمرت في المتوسط لمدة 24 شهرًا بمكاسب تقارب 200%. وفي السياق ذاته، يتوقع “دويتشه بنك” أن يصل سعر الأونصة إلى 4000 دولار العام المقبل، بينما يرى “جولدمان ساكس” إمكانية وصوله إلى 5000 دولار.

وسط هذه التوقعات المتباينة، ينصح الخبراء المصرفيون المستثمرين بتوخي الحذر، نظراً لزيادة التقلبات عند المستويات السعرية المرتفعة. وتتمثل الاستراتيجية الموصى بها في تحديد أهداف استثمارية واضحة، مع اللجوء إلى الشراء على دفعات لتجنب مخاطر الدخول في قمة السوق.